الشاعر الفارس محمد ول أحمد مرحبه 1906 ـ 1847 م
أولًا: النشأة والخلفية
يُعدّ الشاعر والفارس محمد ول أحمد مرحبه أحد أبرز أعلام الشعر الحسّاني والفروسية في منطقة الشمال الموريتاني. نشأ في بيئةٍ بدويةٍ تُعلي من قيم الشجاعة والكرم، وتعدّ الشعر والفروسية من سمات الفخر والمجد، فجمع بين هذين المقامين حتى غدا مضرب المثل في الجمع بين السيف والقلم.
ثانيًا: خصاله وإبداعه الشعري
اتّسم محمد ول أحمد مرحبه بخصالٍ نادرة بين معاصريه من الشعراء الفرسان، من أبرزها صفاء السريرة، وصدق العاطفة، وعمق الحسّ الوطني والقبلي، إلى جانب تواضعه وكرم خلقه. وقد جاء شعره الحسّاني متميّزًا بـالسلاسة اللغوية، وقوة الترابط بين المعاني، ودقة الوصف، وحرارة العاطفة.
ومن سمات تفرّده الفنية أنه أول من افتتح مقطوعاته بعبارة “يلال مبعد…” في غرض النسيب، فصارت هذه العبارة علامة أسلوبية خاصة به، اقتدى بها أبناؤه من بعده. وقد عُثر على ثمانية مطالع شعرية له تبدأ بهذه الصيغة.
ثالثًا: شهادات معاصريه
نال الشاعر تقدير معاصريه، حيث شهد له ادخيل ولد سيد باب الركيبي – وهو من أبرز شعراء الساحل – بالريادة والتفرّد، وذلك في محفلٍ عامّ حضره جمع من أعيان الشمال.
رابعًا: فروسيته ومشاركاته القتالية
لم يكن محمد ول أحمد مرحبه شاعرًا فحسب، بل كان فارسًا مغوارًا شارك في معظم الحروب والمعارك التي خاضتها قبيلته ضد القبائل المحاربة. من أبرز تلك المعارك شر ازدال مع أولاد ادليم شمالًا، ومعارك إنشيري، وتيرس، وأدرار، واترارزه جنوبًا، فضلًا عن مشاركته في حروب إمارة يحي بن عثمان ضد ادو عيش شرقًا.
وقد أصيب خلال هذه المعارك بجروحٍ عديدة، كانت دليلًا على شجاعته وإقدامه وبسالته.
خامسًا: معارفه واهتماماته
كان الشاعر خبيرًا بالأرض ومسالك الصحراء، حتى عُرف بدقّة معرفته بمساراتها ومفاوزها، وقد سجّل ذلك في أشعاره، مشيرًا إلى أسفاره التي بلغت أزواد شرقًا، واترارزه جنوبًا، ووادي درعة شمالًا.
كما كان عالمًا بالفروع والأصول، وتخرّج في محظرة النعمان بن سيد محمد التيشيتي السباعي، إحدى المحاظر العريقة في العلم الشرعي واللغة. وقد عُرف بجمال خطّه وحُسن صوته في تلاوة القرآن الكريم، وهو الإرث الذي ورثه عنه حفيده سيد أحمد ولد الحاج الملقب بالغباد.
سادسًا: إرثه وذريته
تميّز محمد ول أحمد مرحبه بكونه الفارس الشاعر الوحيد – حسبما ورد – الذي أنجب أبناءً وأحفادًا جمعوا بين الشعر والفروسية عبر ثلاثة أجيال متتابعة، مما يجعل أسرته واحدة من السلالات القليلة التي حافظت على هذا الإرث المزدوج.
سابعًا: وفاته وإرثه الأدبي
فقد الشاعر اثنين من أبنائه وكثيرًا من أبناء عمومته في حروب قبلية عنيفة، انتهت باستشهاده، بعد أن ترك وراءه شعرًا كثيرًا ضاع أكثره في ظروف تلك الصراعات. وما وصلنا من شعره يدل على قوة البيان وسمو المقصد وصدق الانتماء.
نماذج من أدبه:
اصلْ اهربْ ذَا إلِّ مانرومْ غيرُ أُلانسمعْ فيهْ لومْ
واهروبُ مَــاهْ منْ اليومْ لُو نــوبَ عنِ هــاربْ
شاربْ مذكورْ امنْ آبرومْ وان منْ تشنَ شاربْ
مَــذَا دونْ إلِّ رايْـــمُ دلالِي منْ لمسَـــاربْ
امسَــاربْ لحْـدبْ وايْمُ وامسَـاربْ بيرْ الگـاربْ
*
سبْحَـــانكْ يَـالْحَيْ الْمَجِيدْ يَذَ مَنْ مَالْ اصْحَاحْ انْجاحْ
ؤُ يَذَ مَنْ حَدْ اعْلِيهْ ابْعيدْ يلْتَــاحْ افْمَرْجَعْ فَيهْ الْتَــاحْ
مرتعْ زُوگ اُزُوگ أتحـــدادْ الگورْ أُلسهــالْ أُلمهَــادْ
مَـــافِيهمْ حَدْ اتْـــلاَوْ أُ وادْ الجَّنَّ مَنْ لسْــرَاحْ ارْتَــاحْ
وَاللِّ كَانْ افْحَوْمتْ لَجْـوَادْ عَـامرْ منْ لَبْطَــــاحْ أُلَسْرَاحْ
عَــادْ اتْبطُّ لَرْيَــاح أُ عَــادْ بُـولَرْيَــاحْ اتْبَطُّ لَــرْيَـــاحْ
وُالِّ خَالگ مَنْ حَـادَثْ حَيْ شَافْ اطْرَ يَاسرْ مَاهْ اشْـوَيْ
غَدْرتْ نَـزَّالَتْ خَشْمْ الْعَيْ خَشْمْ الْعَيْ أُ وَادْ الْمَــــلاَّحْ
واغْدرْ زادْ إلَّ عـنْــدْ أودَيْ الگـــزَّاحْ أودَيْ الگـــزَّاحْ
*
يَــــلالِي مبعدْ گروگــاتْ والنگعَة واطرِگهَا لخْراتْ
گديتْ جلْوَ وابلمعَيــــزاتْ گرنِ والصبطِ وگــوفْ
تِشيتْ انگُونَ وانخيلات گانبْ واتميژِژمِيتْ أتوفْ
من گلبْ العبدْ ألبيــــراتْ وَگلابْ الگطارَة والشَّوفْ
فِلكلكْ والدَّوگـــجْ وأمَـــاتْ لرْفَــادْ أُكديتْ تنگفُوفْ
*
كانْ اذريعْ لتوينْ ازوينْ بلْ اللعبْ ألاهُ حــافِ
واعـلَ عَـادْ اذريعْ لتوِينْ مايلعبْ يكونْ السَّـافِ
أراعِ يَــالدلالْ أديَـــــارْ مبعدْهمْ عادُ منْ لعمَارْ
هذِي دارْ الونستْ لبصَارْ ابلدهَ مستدرسْ خــافِ
اعليهْ السَّــافِ كلْ انهــارْ يلعبْ مستگبلْ وامگافِ
ثامنًا: الخاتمة
يبقى محمد ول أحمد مرحبه مثالًا فريدًا في الجمع بين الفروسية والشعر والعلم والدين، وشخصيةً تراثية تستحق مزيدًا من البحث والتوثيق لاستجلاء أثرها في مسار الشعر الحسّاني والموروث القبلي في بلاد شنقيط.



