الأدباء

البو ولد امين

لما كان الشعر ديوان العرب، ولما كان في النفس ميلٌ إلى كل جميل، ارتأينا أن نسجل ورقة، إلا تكن شاملة كاملة، فهي صورة تقريبية عن حياة الأديب البو ولد امين.

وقبل ذلك، ينبغي أن نتذكر قول أبي تمام مشيدًا بدور الشعر:

ولولا خصالٌ سنّها الشعرُ ما دَرى بُغاةُ العُلا من أين تُوَتى المكارمُ

ف ” البو” إذا هو محمد ولد محمد محمود ولد حيبلا ولد امين، الملقب “البو الإجيجبي”.

ولد قرابة سنة 1860 للميلاد عند التاكلالت، وأمه أم الحسن بنت محمد الكريم من أولاد سيد الفالي من أولاد ديمان.

نشأ البو وتربى في محيط علمي مرموق، تُضرب إليه أكباد الإبل، ينهل أصحابها من معين علمي فياض. ولِمَ لا؟ فآباؤه وأعمامه وأبناء عمومته عمداء محظرتي الكحلاء والصفراء، اللتين نشأتا في القرن السابع عشر الميلادي، واستمرتا قلعتين علميتين اعتمدت عليهما أغلب المراكز الثقافية في منطقة الكبلة، وكذا المناطق المجاورة، قرونا متوالية.

ضلَّع البو من علوم عصره: قرآنَ10، لغةً، ونحوًا، وفقهًا، حتى بزّ الأقران، وذاع صيته في الآفاق شاعرًا شعبيًا متمكنًا، يقول الشعر في مختلف الأغراض، جالس الساسة والعلماء والأمراء، وساجل علية القوم.

من ذلك ما دار بينه وبين الأمير أحمد سالم ولد اعل، حيث يقول مخاطبًا الأمير:

أحمد عند جيش إجرُّ *** بيه مطوع كل امْدين واخْوالَف زينات إسَرُّ *** اعند لمْرَاكيب الزِّين

يغير النفع والضر *** من تلقاء خالقين

فأجابه الأمير بياد أحمد سالم ولد اعل:

حَكَن- لَلِّي ما وَحَّد *** لين اعمل مسكين اعلين عن سابكً توحيدُ بعد *** يعرف كط انَّ عربين بعد اعي ينفع بين حد *** واعي زاد اظرُّو بين

ومن جميل شعر البو ولد امين ما قاله في ولد ابيبُ ولد أيد وحرمه اللولة منت همد فال عندما نزل ضيفًا عليهم يصحبه خله اصنيب ولد بوبكر شيخ أولاد أحمد، وهما إذ ذاك شابان.

تقول الرواية إن الرجلين كانا في موسم الكَيطنة في تجكجة، ومات جملهما، فخرجا راجلين حتى وصلا حلة أولاد سيدي حيبلا الكنتية، فاستضافتهما أسرة أهل أيدة المذكورة، وأحسنت وفادتهما، فعوضتهما جملهما، ليوصلهما إلى منطقة ألاك.

فما كان من الرجلين بعد وصولهما إلا أن ردا للبيت الكريم الجمل و معه جمل آخر. فقال البو عن هذا البيت الكريم ما يلي:

ول ابَّيْبُو مَسل بيه // درناه إكد اواسيه ذيك إواسيه واعليه // يَثْنَوْتَ ما ذيك العلّ و ملَّ زاد أخير افجيه // فين من حلَّه مخلَّ امتن فينَ تِزكَ جيه // من تِزيكي حلَّه ملَّ ما تكدر حله تبنيه // و ملَّ تكدر تبني حلَّه

وفي الغزل يقول البو:

ملكً طب اتحجال *** يالجلال ألا قال

لا طيتول حال *** فيه الحمد انوديه ويلاما يالجلال *** طيتول خليه

حامد لك غير البال *** لا باكَي شي فيه

ولما أرسل أحمد ولد سيدي أحمد ولد أحمد العيده يخطب محجوبة منت أحمدو ولد آقريشي عن بعد، تكلف البو بالرد فقال:

جات ابراو من عند أحمد ** مكتوب زين ماه رد كالو فيه تجديد العهد ** أفيه محجوب مخطوب وأحمد راجل ما كيف حد ** اصرَ عاكِبت مزغوب أمحجوب تبغ زين السعد ** غير آن باطل محجوب مان ساخ بيه لحمد ** وأشكَال براو مكتوب

وفي المدح يقول لجماعة أهل اشفاق ابريهيم عندما حضر بعض الاجتماعات التي شملتها مع مجموعات عديدة، قال مشيدًا بها وبتضحيات رجالها:

اعلَ الناسْ إلا خلك الخوف // فرظ تجرُ جل من لباس وتجر لا خلكً المعروف // جل من المعروف عل الناس

أما ما دار بينه وبين أخيه وصديقه سيدي محمد ولد المختار ولد الهيبه، فأكثر وأجزل من أن يُحصَى منه على سبيل المثال قال سيدي محمد:

كَ سُولُو لَلْبو عني نبغيه // هون إجيني نَتْنيمَشنْ فيه نتلهاو و نعرف دخليه // كامل وانداويه امن الي بايد بيه انكَد انداويه // والْملكَه لا بيه إغَلِّي وهذا ما فيه الخِيَّانه // امنَين انداويه إولي وان لي حظ اف ملكان // والعين لها حظ امَّلي

وهنا لا يخفى أن سيدي محمد يشير إلى أن إحدى عيني البو لا ترى، فرد البو قائلًا:

كول ال سيدي عاكب تتواك // تَرُّوزْ اغليهم وبكاك وامروك وطنهم عاكب ذاك // آن فبلدهم وافبلي حاجلي منو ملك حاك // ال لخلاك و فيه ال حاجلي اياك إو نسني وياك // اغناه ال بيه ارسلي يحكيه اعلي لين اعليه // انسكم فلي كايلي رجليَّ وانسكم رجليه // فلي كايلي كيف الي تسكام الرجلين انَّ فيه // هو زاد الحظ املي

وهنا يشير البو إلى أن إحدى قوائم سيدي محمد ضعيفة، وهذا قليل من كثير.

وقد أجمع الرواة ومؤرخو الأدب الحساني على أن المساجلة التي حصلت بين الرجلين تمثل أدبًا رفيعًا فذًّا قل نظيره، إذ كان صاحباه متمكنين من ناصية هذا الفن.

ويروى أنه عندما استشهد الأمير المجاهد بكار ولد اسويد أحمد طيب اللّٰه ثراه، وُجد ما قاله الرجلان في مكتبته تامّا غير ناقص. كما يروى ولد امن ولد همد فال، وهو الفنان الثبت المؤرخ أنه ذات يوم كان في محصر أولاد السيد بحضرة الأمير المختار ولد بكار ولد سيد اعل، والبو ولد امين حاضر، وسُئل البو عمّا دار بينه وبين سيدي محمد، فقال:

إنه هو وسيدي محمد قد اتفقا على ألا يخوض من بقي منهما حيًا فيما دار بينهما.

وبالتالي فإن سيدي محمد مات في بدايات القرن العشرين، ولم يمت البو إلا سنة 1943 على أشهر الأقوال، وبقي البو وفيًّا بذلك الاتفاق النبيل الذي دار بين الرجلين. رحم اللّٰه الجميع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى